الصوم تربية نفسية واقتصادية
من عظمة الإسلام أنه يوازن بين المادة والروح في إطار متوازن بما يحقق
للإنسان الاشباع المادي والروحي سويا فالمادة هي أساس بناء الجسد
ليقوي علي عبادة الله عز وجل ولقد سخر الله ما في السماوات
والأرض وما بينهما لهذا الإنسان لتحقيق تلك الغاية الكبري
وهي العبادة كما أن الروح هي أساس الجانب المعنوي
داخل الإنسان ليستشعر حلاوة الإيمان بالله ربا
وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد صلي الله
عليه وسلم نبيا ورسولا.
ولقد أكد القرآن علي ضرورة التوازن بين القيم المادية والروحية يقول الله
عز وجل
"وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا. وأحسن
كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض
إن الله لا يحب المفسدين"
القصص:77
والمسلم في كل الأحوال يبتغي بكل شيء وجه الله وأساس ذلك
قوله تبارك وتعالي
"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين
الأنعام: 162-163
وكما يهتم المسلم بتغذية البدن بالطعام والشراب ونحو ذلك فعليه أن يعطي
اهتماما أكثر لتغذية القلوب وتزكية النفوس ومن وسائل ذلك الذكر
والدعاء وقراءة القرآن والتدبر في خلق السماوات والأرض.
وايتاء الزكاة والصدقات وهذا مما يحث عليه الرسول
صلي الله عليه وسلم في شهر رمضان. شهر
نزول القرآن وشهر الصيام وسوف
نتناول في هذا المقال أثر
الصيام في تغذية
القلوب
وتزكية النفوس.
مدرسة للتربية الروحية
الصيام فريضة وعبادة وطاعة وتقرب إلي الله كما أنه مدرسة للتربية الروحية
حيث يهذب النفس البشرية ويقومها ويطهر القلوب من الذنوب ويقوي
ويعمق الإيمان بالله كما أنه ينقي الروح والجسد من طغيان المادة
ويحمي الإنسان من شوائب الشهوات الحيوانية الجاثمة إذا
ما تجاوزت ما شرعه الله عز وجل.
..وتأثيرات الصيام الروحية عديدة نذكر منها علي سبيل المثال
أولا
الصيام يزيد قلب المؤمن تقوي وصلاحا وهذا أساس التربية الروحية
فقد بين الله عز وجل الغاية من الصيام بأنها التقوي مصداقا لقوله
تبارك وتعالي
"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين
من قبلكم لعلكم تتقون"
البقرة:183
فمن لايزداد تقوي وصلاحا من الصيام فلا أثر للصيام علي قلبه.
ثانيا
الصيام يدخل علي النفس البشرية السعادة والبهجة والاطمئنان ويحميها من
القلق والاضطراب فالمسلم يفرح بقدوم شهر رمضان ويستعد له
استعدادا كريما متذكرا قول الرسول صلي الله عليه وسلم
"أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة
ويحط الخطايا ويغفر الذنوب"
كما أنه للصائم فرحتان فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربه فهنيئا
لمن فرح قلبه بقدوم رمضان وهنيئا لمن رحمه الله وغفر ذنبه
وأعتقه من النار في رمضان.
ثالثا
الصيام يعود النفس البشرية علي الدعاء والتبتل ويقيها من التكبر فدعاء
الصائم مجاب ولقد وردت آية الدعاء في وسط آيات الصوم فيقول
الله عز وجل
"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"
البقرة:186
كما أن في رمضان ليلة القدر وهي خير من ألف شهر يتوجه الصائم فيها
بالدعوات الصالحات حيث يقول
"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني".
رابعا
ينمي الصوم في النفس البشرية المراقبة الذاتية حيث يستشعر الصائم أن
الله عز وجل يراقبه في كل تصرفاته وسكناته. يصوم بدنه وتصوم
جوارحه و يصوم قلبه. يقيه ويحميه الصوم من عمل أي شيء
يضيع عليه ثواب الصائمين مؤمنا بقول الله عز وجل
"وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير"
الحديد:4
وقول الرسول صلي الله عليه وسلم
"اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك"
متفق عليه.
خامسا
يقوي الصوم عند المسلم خصلة الإخلاص لله ويجنبه النفاق والرياء والتظاهر
فالصوم لله وحده وهو الذي يجزي الصائمين مصداقا لقول الرسول
صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة أنه قال
"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به"
والصائم حين يفطر يتوجه إلي الله بالدعاء ويقول
"اللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت.. ذهب الظمأ وابتلت
العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالي".
سادسا
الصوم يدرب النفس البشرية علي التضحية والجهاد ويحميها من الخنوع
والجبن ففيه مجاهدة لهوي النفس التي يحب صاحبها المأكل والمشرب
والشهوة.. كما يدربها علي الخشونة والصبر والثبات وقوة التحمل
وعندما يفلح المسلم الصائم في الجهاد ضد هوي النفس يستطيع
أن يجاهد أعداء الإسلام.
وصايا إلي أصحاب النفوس الصائمة
1- اغتنم شهر الصيام لتربي نفسك علي الامتثال والطاعة
والإذعان لله رب العالمين.
2- اغتنم شهر الصيام لتطهر نفسك من النفاق والرياء
وتجبلها علي الإخلاص لله.
3- اغتنم شهر الصيام لتتجه بنفسك إلي الله بالدعاء والتبتل
راجيا الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
4- اغتنم شهر الصيام لتخضع نفسك لمراقبة الله عز وجل
لتزداد خشية له وخوفا منه.
5- اغتنم شهر الصيام لتدرب نفسك علي التضحية والجهاد
لتكون من أصحاب العزائم.
ونذكر الصائمين بقول الله عز وجل
"وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون"
وبقول الرسول صلي الله عليه وسلم
"من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ونبتهل إلي الله العلي القدير
أن يصلح قلوبنا ويطهر نفوسنا
ويشفي صدورنا
وأن نقابله بقلوب سليمة صائمة
