أين الدول الإسلامية؟
وبعد كل ذلك.. ألم يأنِ للعالم أن يستيقظ لوقف هذه المجزرة التي تتم باسم القضاء على الإرهابيين، والمتطرفين، والانفصاليين؟ تلك المجزرة التي يسميها النظام الصيني “قضية داخلية” تستهدف اقتلاع الإرهابيين؟
وللأسف الشديد، لم يقف العالم الإسلامي إلى جانب المسلمين الأويغور؛ وبدلاً من إظهار التضامن مع إخوانهم المسلمين، قام البعض منهم -مثل كازخستان، وقيرغيستان، وطاجكستان، وأوزبكاستان- بالتضامن مع الصين لمكافحة ما يسمونه بـ”الأصولية الإسلامية”. وأكبر دليل على ذلك يتمثل في مجموعة “شنغهاي” -التي تضم الدول الإسلامية السابق ذكرها- بالإضافة إلى الصين وروسيا. وقد عقدت تلك المجموعة عدة اتفاقيات تعمل على إعادة اللاجئين الأويغور بالقوة إلى بلادهم (سينكيانج)؛ وهو ما يمثل انتهاكًا لمعاهدة الأمم المتحدة للاجئين؛ فقد قامت كازخستان برفض اللاجئين الأويغور وأعادتهم قسرًا إلى الإقليم، كما رفضت باكستان الطلبة الأويغور، وأغلقت بيوت الضيافة المخصصة لهم في إسلام آباد.
وفي غمرة عكوف العالم كله على الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، تضيع قضية المسلمين الأويغور وسط الزحام، منشغلين بالإرهاب الذي تعرفه أمريكا وفق رؤيتها، ومتناسين الإرهاب الذي يحدث في إقليم سينكيانج.
ان تركستان الغربية وتركستان الشرقية جزء واحد اقتسم بينهما العدو الواحد وقسم الأرض فيما بينه وكان هذا الإقتسام الظالم ثمرة لصراع مرير بين الجانبين دام 200 سنة. فتمتعت بلاد تركستان بالإستقلال الكامل منذ فجر التاريخ حتى ظل الإسلام وبعده وظلت هذه البلاد في أكثر الأحيان متماسكة الواحدة سياسيا واقتصاديا مستقلة حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. والجزء الغربي من تركستان تم إحتلاله تدريجيا من قبل حكام الروس في عام 1865 ومن ثم عرفت تلك المناطق بتركستان الغربية وبعد قيام إتحاد الجمهوريات الإشتراكية الروسية في عام 1922 قسمت هذه البلاد إلى خمسة جمهوريات التي تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية المستقلة في آسيا الوسطى وأما الجزء الشرقي من تركستان فقد غزاه حكام من سلالة منجو الصينية في عام 1876 م وتبع ذلك الغزو أن أصبحت تلك المناطق تعرف بإسم شنجانغ ومعناه (المستعمرة الجديدة .)
1 ـ دخول الإسلام:
بعد أن إنتهى المسلمون العرب من فتح بلاد فارس وخراسان فقاموا بأربعة فتوحات على تركستان الغربية في سنة 94 هـ ثم اتجه الجيش العربي المسلم تحت قيادة قتيبة بن المسلم الباهلى نحو الشرق حتى وصلوا إلى كاشغر عاصمة تركستان الشرقية وفتحوها في سنة 95هـ . وفي نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي الأول في القرن الثالث للهجرة وفي سنة 232 هـ تشرف الخاقان سلطان ستوق بغراخان (مؤسس الدولة القارا خانية) بالدخول في الإسلام وتبعه أبناءه وكبار رجال الدولة. ومنذ ذلك اليوم أصبح الإسلام دينا رسميا للدولة وتمت ترجمة القرآن الكريم وأقيمت المساجد بدلا من المعابد وتم بناء 300 مسجد في مدينة كاشغر وحدها وهكذا أنعم الله سبحانه وتعالى على تركستان الشرقية وأهلها بنعمة الإسلام وصدق الإيمان وكان للكثير من أبنائها شرف في التاريخ الإسلامي لقيامهم بأداء واجبهم في نشر الرسالة السماوية والإشتراكات في الفتوحات الإسلامية وظهر العلماء والمتفقهون الذين اجتهدوا في دينهم وبرعوا في علومهم وتركوا للمكتبة الإسلامية ذخيرة غنية من المؤلفات العظيمة وكان مئات الطلبة المسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي يأتون إلى كاشغر للدراسة الإسلامية.
3 ـ نبذة تاريخية
قامت بين المسلمين التركستانين وبين حكام منجو الصينية معارك دامية في عام 1759 م فراح ضحيتها أكثر من مليون مسلم وفرضوا سيطرتهم على تركستان الشرقية حتى عام 1862 م وقد شهدت تلك الفترة تمرد شعب تركستان الشرقية ضد إحتلال المنجو 42 مرة وفي آخر تمرد عام 1863 م نجح الشعب التركي المسلم في طرد حكام منجو من وطنهم وأقاموا دولة مستقلة إسلامية تحت زعامة يعقوب بك بدولة الذي إستمر حكمه 16 عاما ولكن نظرا للتوسع الروسي خلال عهد التسارست فقد تخوف البريطانيون وقوع تركستان الشرقية تحت الإحتلال الروسي فقدم النصيحة والأموال للحكام منجو الصينية بإحتلال تركستان الشرقية مرة ثانية واستطاعت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال زوزونغ تانغ مهاجمتها واحتلاها مرة أخرى في عام 1876 ومنذ ذلك التاريخ تم تسمية تركستان الشرقية باسم شنجيانغ Xinjiang وفي 18 نوفمبر 1884 ضمت داخل حدود إمبراطورية المنجو وأصبحت تابعة لها
بعد تولى الحكومة الوطنية الصينية مقاليد السلطة في الصين عام 1911 حاول شعب تركستان الشرقية التحرر من الإحتلال الأجنبي فقاموا بعدة ثورات ونجحوا مرتين الأولى في عام 1933 والثانية في عام 1944 حيث تمكنوا من إقامة دولة مستقلة إسلامية في تركستان الشقية إلا أن تلك الدويلة المستقلة لم يكتب لها الإستمرار حيث أن موسكو لم تتردد في كلا المرتين في إرسال قواتها البرية والجوية والقيام بكل ما من شأنه للقضاء على هذه الجمهورية الفتية لأنهم كانوا يعرفون أن تركستان الشرقية ستكون دعما لشقيقاتها في آسيا الوسطى في كفاحها للتخلص من ربقة الشيوعية وقتل الصينيون بعد سقوط الحكومتين أكثر من مليون مسلم.
- 4حكم الصين الشيوعى
بدأت الصين الشعبية إحتلال تركستان الشرقية بمذابح رهيبة وفرضت حكمها بعد مجازر دموية فظيعة وكان ما فعلت في البلاد أن هرعت إلى بعض الترتيبات لإزالة الإسلام من النفوس ومواصلة البلاد حكمها للبلاد ومارسوا أبشع أنواع الظلم والإضطهاد الذي لم تشهد الدنيا من قبل وقسمت البلاد إلى 450 كوميون (معسكر العمل الإجباري) ليعمل فيها العمال والفلاحون المسلمون وهم يشكلون 98 % من عدد السكان وقد مات الكثيرون في هذه المعسكرات وألغيت الملكية خاصة وصودرت كل ثروات المسلمين بما في ذلك حلى النساء وأعلنت حتى الأفراد والأولاد للحكومة وجعل طعام الناس جماعية ومنع الطبخ في البيت وحتى فرق الأزواج من بعضهما لأن فيه ضياع الوقت ومن متطلبات الحياة العمومية أنه يؤدي للمتزوج لقاء زوجته لعدة دقائق بعد كل أسبوعين وكانت تمنح للمرأة إجازة لثلاثة أيام فقط للولادة.
أعلنت حكومة الشيوعية سياسية قطع صلة مسلمي تركستان الشرقية بالإسلام والمسلمون عموما فمنعت خروج المسلمين إلى خارج البلاد كما منعت دخول أي أجنبي وفوق ذلك كل من كان له الاقارب في الخارج كان يعذب حتى يسجن بتهمة أنه جاسوس وله الإرتباط في الخارج
لم يسلم الشيوعيون الصينيون جثث القادة من رجال الدين والسياسة الذي أعدموهم إلى أصحابها وإنما قطعوا هذه الجثث قطعا وعرضوها في الشوارع بقصد إرهاب الشعب وتخويفه.
منعت الحكومة الشيوعية إقامة الصلاة وصوم رمضان وبقية أركان الإسلام وقراءة الكتب الدينية والقرآن والصحف الأجنبية وكذلك الإستماع إلى إذاعات الدول الأجنبية ومنعت من إستضافة الضيوف ومساعدة أسر المجرمين ومن الحزن على الأقارب المنفذ فيهم حكم الإعدام ومن إحترام الميت ومن إقامة مراسم للأفراح أو للجنائز ــ ومنعت أيضا أكل المأكولات باللحم والسمن ولبس الملابس الحريرية أو الصوفية وإخفاء النقود أو الأشياء القيمة في المنازل. وأجبرت الشيوعية على التحدث عن ماوسى تونغ بوصفه ( الإله الحي ) وعلى القبول ما تقول له الشيوعية دون قيد أو شرط.
نتيجة لذلك المعاناة وحتى يدافع المسلمون عن وطنهم والمحافظة على دينهم وهويتهم القومية قام شعب تركستان الشرقية بـ 45 ثورة تمر ضد الشيوعيين في الفترة من عام 1949 إلى 1968 م. أعدم منهم مايقارب 360 ألف مسلم من تركستان الشرقية وقفوا في وجه الشيوعيين مدافعين عن حقوقهم الشرعية. ونجح أكثر من 200 ألف في الهجرة إلى الدول المجاورة بينما إعتقل ونقل 500 الف منهم إلى 19 معسكر أشغال شاقة في تركستان الشرقية.
وإذا ما دققنا في الأخبار الثورات الشعبية التي يقوم بها شعب تركستان الشرقية فنجد الدافع إليها هو الإعتداء بدينه ولغته. تقدم ولازال يقدم شعب تركستان الشرقية ملايين الشهداء فثوراته الجماعية تقوم بين الحين والآخر ولكن مع الأسف الشديد الأخبار عن هذه الكفاح من أجل الحرية والإستقلال لم يصل بعد إلى مسمع لراي العالم الإسلامي والرأى العالمي.
-5مرحلة مابعد ماوسى تونغ
بدأت فترة المعاصرة بعد مات ماو في عام 1978 وبعد أن ثبت الشيوعيون أقدامهم في تركستان الشرقية, وذلك عبر القضاء على الزعماء الوطنين والعلماء ورجال الدين ورجال الأعمال بشتى الأساليب وبعد القضاء على التعاليم الإسلامية والحضارة التركية والمعالم الوطنية وبعد فرض سياسته التصيين الثقافي والتعلميمي.
وتتميز هذه الفترة بتحول الشيوعيين الصينين من تطبيق سياسة الإرهاب المكشوف إلى ممارسة سياسة تطبيق الشيوعية العلمية والتصيين الثقافي.
إن مما لاشك فيه بأن أقصر الطريق للقضاء على أمة من الأمم هو إتباع مختلف الوسائل لتخريب عقيدتها ولغتها ,الصين تقوم حاليا بإتخاذ إجراءات جديدة وإعداد برامج مدروسة عديدة لتحويل تركستان الشرقية إلى مقاطعة صينية, . ومن أبرز الممارسات الحكومية الصينية ضد الشعب التركستاني المسلم في مايلي:ـ
أولا: الإعتداء على الإنتماء الديني لشعب تركستان المسلم وذلك بالتضييق على أفراد المجتمع في ممارسة شعائر هم الدينية ومنع التعليم الديني عن أبنائهم لقطع صلة الأجيال الجديدة بهويتهم الإسلامية.
في يوم 5 أبريل 1990 م أرادوا أهل قرية بارين في منطقة آقتو في جنوب كاشغر بناء مسجد جديد في قريتهم فاعترضت السلطات الشيوعية وبدأ الإشتباك فيما بينهم وقصفت القوات الصينية تلك القرية بالمدافع والطائرات بل إزدادت وحشيتهم بإلقاء القنابل اليدوية على البيوت لإجبار النساء والأطفال على الخروج منها فمن لم تقتله القنابل قتله رصاص الجنود الصينين وذهب ضحيتها أكثر من ستين مسلما حسب إعلان الحكومة واعتقل أكثر من ألف شخص ولايزال بعض من ألقى القبض عليهم في السجون حتى اليوم. وقد ألقى سونغ هان ليانغ رئيس الحزب الشيوعي للمقاطعة تقريرا عن هذه الواقعة في إجتماع اللجنة المركزية لأعضاء الحزب الشيوعي لمقاطعة شنجيانغ (تركستان الشرقية) في 21 نسيان 1990 اتخذت السلطات الصينية على أثره عدة إجراءات تم تنفيذها من تاريخ 16 سبتمبر 1990 م وتضمنت مايلي:ـ
أ ـ إجبار جميع رجال الدين على حمل تصاريح رسمية تمنح لهم على ضوء تقارير الجهات الأمنية التي تؤكد على مدى تعاونهم ومؤزرتهم لرجال السلطات والحزب الشيوعي لهم التصارح وتجدد له سنويا حسب التقارير التي ترفع عنهم.
ب ـ إرسال الأئمة ورجال الدين إلى معسكرات عمل لإعادة تأهيلهم وفق المبادئ الشيوعية وتعاليم السلطات الصينية في التعامل مع شئون المسلمين الدينية والإجتماعية.
جـ إستدعاء رجال الدين إلى مراكز الأمنية والمباحث وإجبارهم على توقيع تعهدات بالإمتناع عن تعليم أبناء المسلمين أحكام دينهم الحنيف في المنازل أو في المساجد.
دـ الإكتفاء بالمساجد القائمة بحجة أنها كثيرة وأنها تسبب إزعاجا لسكان الأحياء الجديدة وحظر إستخدام مكبرات الصوت إلا في المساجد الرئيسية في المدن المفتوحة التي يتردد إليها السياح الأجانب وأن يكون إستخدامها لصلاة العيدين وصلاة الجمعة فقط. وقد أدت هذه الإجراءات إلى إيقاف بناء 235 مسجدا وإغلاق خمسين مدرسة في كاشغر فقط.
ثانيا:ـ منع أفراد الشعب التركستاني من ممارسة حقوقهم الإنساية المشروعة كالتعليم وحرية التعبير إلى جانب الإعتداء على تلك الحقوق بالمطاردة والإعتقال بل والقتل كما أثبتت ذلك منظمة العفو الدولية.
وإذا كان التعليم الإسلامي لا يسمح له بالانتشار بين مسلمي تركستان الشقية. فالتعليم الفني لم يكن أفضل منه. مجلة النشرة الإقتصادية لشرق الأقصى التي تصدر في هونغ كونغ فقد أشارت في عددها الصادر بتاريخ 29/1/1985 بأن نسبة المسلامين الأتراك تصل إلى 60 % في تركستان الشرقية ولكن نسبتهم في المدارس الإبتدائية 52.9 % وفي المدارس الثانوية 31.5 % من إجمالي الطلاب وأما الجامعات والمعاهد العلمية فلا يدخلها إلا 10 % من طلاب المسلمين خرجي الثانوية العام ولا يزيد نسبتهم فيها عن 40 % ولا يزيد نسبة الأساتذة الجامعيين التركستانيين عن 26 % من جملة أساتذة الجامعات في تركستان الشرقية وهذا ما أدى إلى انخفاض نسبة المتعلمين إلى 94 شخص في كل ألف شخص. كما أن الجميع الكتب التي تدرس في المعاهد العليا والفنية فهي باللغة الصينية. هذا ويعاني خريجوا المدارس المحلية الصعوبات أثناء تأدية اختبارات المعاهد التعليمية لكون اوراق أسئلة الإمتحانات باللغة الصينية حيث يمكنهم فيما بعد دخول المعاهد العليا دون مواجهة مشاكل لغوية إلا أن الطلاب المسلمين الأتراك بعد تخرجهم من المعاهد العليا يواجهون صعوبات في التحدث بصورة صحيحة بلغتهم الأم. فهم يلجأون إلى استخدام الكلمات الصينية في حديثهم كما أنهم ينسون عاداتهم وتقاليدهم ويسلكون المسلك الصيني مما يسبب ردة فعل سلبية بين أبناء جلدته