فى البداية، لم يكن مسجدا، لكن التصميم والمعمار يوحيان بأنه ما كان ليصبح أى شىء إلا مسجدا، إنه مسجد «الشيخ زايد» فى ستوكهولم، يؤدى صلاة الجمعة فى المسجد أسبوعيا ٢٥٠٠ مسلم، منهم ٥٠٠ امرأة، وتكون الخطبة باللغتين العربية والسويدية.
فى نهاية التسعينيات وبعد عدة مطالبات بتخصيص مكان يصلح لمسجد، طلبت السلطات المحلية من «الرابطة الإسلامية» أن ترى المكان لتقرر ما إذا كان يصلح ليكون مسجدا أم لا، ولأن البناء به كثير من اللمسات الإسلامية والشرقية كان نموذجيا وفى عام ٢٠٠ تم افتتاح المسجد بحضور عدد كبير من الشخصيات السويدية والعربية على رأسهم الشيخ زايد الذى تبرع بـ٤٢ مليون كرونة سويدية (٣٤مليون جنيه مصرى تقريبا).
ولأن كثيراً من السويديين غير مؤمنين بأى دين، فلم يكن المسجد يمثل لهم شيئا أكثر من مكان يؤدى المسلمون صلواتهم فيه، ولأن بإمكانهم الصلاة فى أى مكان فلم يكن أحد يدرك الدور الكبير الذى يلعبه المسجد فى حياة المسلم. كان أغلب المؤسسات والكنائس وحتى المسؤولين غير متحمسين أو رافضين لإقامة مسجد. وقررت «الرابطة الإسلامية» أن تتبع الطريقة السويدية الشهيرة وهى الحوار، فاتفقت مع بعض الكنائس لتنظيم عدة لقاءات وندوات للتعريف بدور المسجد فى حياة المسلمين، وبعدما كان ٩٠% يرفضون تحويل المبنى التاريخى إلى مسجد، تمت الموافقة.
يشهد المسجد إشهار إسلام شخص أو اثنين أسبوعيا، وتعترف الدولة بعقود الزواج التى يوثقها، كما يمكنه أن يصدر ما يسمى بـ«شهادة حجاب» وهى وثيقة تسمح لصاحبتها أن تصدر جواز السفر والبطاقة الشخصية وغيرهما من الأوراق الرسمية بصورة لا تظهر فيها أذنيها، وهو الشرط الذى تطبقه السويد على الجميع فيما عدا الحاصلة على تلك الشهادة، وبذلك تتأكد من أن الهدف من الحجاب ليس إخفاء الملامح الحقيقية لكن الالتزام بزى دينى وتحترم تلك الرغبة.
بالطبع، فى بلد آخر لا يؤمن أهله فعليا بالحرية ويتشبثون بآرائهم، ما كان من الممكن الموافقة على تخصيص المبنى ليكون مسجدا، لكن الدولة التى يرى عبدالله صلاح، رئيس الرابطة الإسلامية، أنها أفضل الدول على الإطلاق فى الحوار تفهمت الأمر، ويؤكد أنه لا يوجد قانون يمنع الكنائس ولا المساجد، لكن التمسك بالشكل المعمارى والطراز القديم للمبانى والتصميمات الكلاسيكية، يجعل الترخيص لأى بناء جديد صعب، كما أنه يحول دون التغيير فى شكل أى مبنى قائم.
المسجد الحديث لا يقام فيه الأذان عبر مكبرات صوت، ويكتفى القائمون عليه برفع الأذان داخله، وهو بالتأكيد اختيار واعٍ، فالمنطقة التى يقع فيها لا تقطنها أغبية مسلمة وبالتالى ستكون مكبرات الصوت مصدرا للصدام والجدل مع السكان المحليين، وليست طريقة لجذب المصلين. وكما يقول عبدالله: «إنها مسألة أولويات»، مشيرا مثلا إلى أن الدولة والمواطنين لم يرفضوا تحويل عدة كنائس إلى مساجد، وبالتالى فستكون إثارة هؤلاء الناس مضرة بالجميع.
ويرى عبدالله أن السويد أفضل الدول الأوروبية فى التعامل مع المشكلات، فهى لا تنتظر حتى تقع، لكنها تحاول منعها، فبمجرد اندلاع المشكلات فى فى وضواحى باريس بدأت السويد تتحرك لمنع حدوث أى مشكلات مشابهة من مهاجريها ومواطنيها ذوى الأصول الأجنبية، من خلال الحوار والبحث عن حلول لمشكلاتهم.
وكادت مشكلة شبيهة بأزمة الكاريكاتيرات المسيئة أن تندلع منذ فترة لكن انفتاح المسؤولين على الحوار منعها، فكان مقررا إقامة معرض فى أحد المتاحف وكانت اللوحات مسيئة للمسلمين وللنبي، وقتها تحدث عبدالله مع مديرة المتحف الذى كان من المفترض أن يقام فيه المعرض، وكممثل للرابطة الإسلامية التى تضم مئات المنظمات المحلية السويدية،
أكد عبدالله مكانة الرسول عند المسلمين، مشيرا إلى أهمية ألا تتعارض حرية الرأى والتعبير مع مشاعر المسلمين وألا تكون مبررا لإهانة أناس وتجريحهم. وبعد نقاش استمر ٢٠ دقيقة، طلبت مديرة المتحف فرصة لمدة ساعة بعدها أعلنت إلغاء المعرض
