الاستفاده من شهر رمضان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذى شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً
والصلاة والسلام على الرحمة المهداة, والنعمة المسداة
محمد بن عبد الله, وعلى آله وأصحابه ومن والاه
وبعد
لابد لكل عمل من عدة،
((قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ، فمن
كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك
بعبادة ربه أحداً))
الكهف ((110))
فمن أراد الرحمة والمغفرة والعتق من النيران والاستفادة من
المنح الربانية في رمضان وغيره ؛ فعليه باعداد العدة،
قال تعالى
((ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ))
التوبة الآيه (46)
وعدة المسلم في رمضان تتمثل في النقاط الآتية
أولاً* تحـــــــديـــــــد الهــــــــدف *
ماذا تريد من رمضان؟
إن تحديد الهدف من أهم عوامل النجاح ، ولابد لكل إنسان أن
يعرف هدفه، ويعرف أيضاً ماذا يريد من أى عمل يقوم
به ،كى يصل إليه ، وهذاالمنهج علمنا إياه لنا القرآن
فالله تعالى لم يخلق شيئاً عبثاً ، بل خلقه لحكمة
وغاية ، قال تعالى
(( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون))
الذاريات ((56))
وأمر عباده أن يوحدوا هدفهم في أجل المطالب وألا يتعثر
فكرهم وعملهم بل ينبغي أن يقبلوا بكليتهم على هذا
الهدف ، وهذا ماوضحه القرآن في مواضع
كثيرة ، منها قوله تعالى
((قل إن صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين))
((الأنعام 162))
(( قل هل تربصون بناءالا احدى الحسنين ونحن نتربص بكم
ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بأيدينا فتربصوا
إنا معكم متربصون ))
((التوبة:25))
ولقد صار الصحابة على هذا الدرب فعن ربيعة بن كعب الأ سلمى
قال كنت أبيت مع رسول الله فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لى
سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أوغير ذلك ؟ قلت
هوذاك قال: فأعني على نفسل بكثرة السجود
(رواه مسلم)
فربيعة بن كعب الأسلمي _ وغيره من الصحابة
يعرف هدفه ولم يحتج إلى وقت حتى يجيب رسول الله فالمسلم
الحقيقى لا يخطوا خطوة إلا على هدى وبينة ورمضان جاء
الأهداف عظام ، منها: تربية الأمة على الإيمان
والإحتساب ، عن أبي هريرة رضى الله عنه
قال: قال رسول الله
من صام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه
(رواه البخارى)
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبى قال
"من قام ليلة القدر إيماناً وإحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه
ومن صام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه "
(رواه البخارى)
ولن يثمر الإحتساب إلا من تربة الإيمان ولن يستقيم إيمان العبد
إلال بإستقامة قلبه ، وإستقامة القلب بمعرفة الرب ومعرفة
الرب لا تأتي إلا عن طريق كلامه القرآن الكريم لذا
خص الله شهر رمضان بنزول القرآن ، قال تعالى
(( شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات
من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان
مريضاً أوعلى سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم
اليسر ولا يؤيد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا
الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ))
البقرة (185)
إن أمر الإحتساب عظيم ولا يستطيعه إل أصحاب الإرادات القوية،
ولا يقدر عليه إلا من تعلق قلبه بالله إبتغاء مرضاته حيث
لا حظ للنفس في هذا المقام ، بل يزداد الأمر صعوبة
إذا كان هذا الإحتساب مع عدو وهذه الصور في
عصر الصحاب وعبر عنها القرآن تعبيراً
بليغاً قال تعالى
( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً )
(الإنسان: 8)
فالصائم في رمضان يتعلم من خلال الدروس العملية كيفية الإحتساب
الذي هو قرين الإخلاص فيجعل حياته كلها حسبة لله ، حتى ولو
أخذ أجراً دنيوياً ، لأنه بنيته الصالحة قد حول كل أعماله لله
. وهذا الإحتساب يكون في الصلاة والزكاة والحج حتى
اللقمة التي يتغذى ويتقوى بها الإنسان ولقد قاتل معاذ
_ رضى الله عنه : _ أنام أول الليل فأقوم وقد
قضيت جزئى من النوم فأقوم فأقرأ ماكتب
الله لى فأحتسب نومتى كما أحتسب قومى
(رواه البخارى)
إن الإحتساب يعلم الإنسان العبودية الكاملة لله فى المنشط والمكره
في العسر واليسر في السراء والضراء وعند نزول البلاء
وفقد اللأحباب
(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )
(البقرة: 156)
وهذه العبودية تجلب للعبد الرحمة والهداية في الدنيا والآخرة
(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
(البقرة : 157)
ترسيخ التقوى في القلوب
كتب الله الصيام على الأمة المحمدية كما حرمان؛ لكنه حرمان يتبعه
عطاء وتهذيب ، فإن الطبيب يمنع المريض _ وأحياناً المعافى
_ من أجل الحفاظ على صحته من تناول الطعام ، والصيام
شفاء ، يأخذ المسلم منه الدواء الناجح الذي يضبط حياته
كلها في رمضان وغيره ،؟ هذا الدواء هو
( ياأيها الذين آمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على
الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
(البقرة: 183)
فالتقوى هى ميزان الأمة ، وإن عاشت الأمة من غير ميزان تاهت
في أودية الشبهات ، لذا جعلها الله عز وجل وصية عامة لكل
عامة لكل العالمين
( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن إتقوا الله)
(: النساء:131)
والاآية لفظ عام لكل من أوتى كتاباً فإن وصيته سبحانه لعباده
لم تزل منذ أوجدهم
.
ثانيـاً* الجد وعلو الهمة هما شعارك في رمضان*
من طلب العلى بذل الغالي والنفيس ، قال عمر بن عبد العزيز
" إن لي نفساً تواقة، ما نالت شيئاً إلا تاقت إلى ماهو أفضل
منه وإنها لما نالت هذه المنزلة _منزلة الخلافة_ وليس
في الدنيا منزلة أعلى منها ، تاقت ماهوأعلى منها
_يعنى الآخرة_
على قدر العزم تأتي العزائم"
وما أبدع ماقال الشوكاني في علو الهمة ، لمن أراد أن يدخل
السباق الرمضاني الإيماني:"ينبغي لمن كان صادق الرغبة
قوى الفهم، ثاقب النظر، عزيز النفس شهم الطبع ،عالي
الهمة سامي الغريزة ؛ ألا يرضي نفسه بالدون،
ولا ينفع بمادون الغاية، ولا يقعد عن الجد
والإجتهاد المبلغين له إلى أعلى مايراد،
وأرفع مايستفاد، فإن النفوس الأبية،
والهمم العالية لاترضى بدون
الغاية في المطالب الدنيوية،
من جاه أومال أورئاسة
أوصناعةأوحرفة،
وعن عائشة أن
النبي كان إذا
دخل العشر
أحياالليل وشد المئزر وأيقظ أهله"
أخرجه البخارى ومسلم"
ثالثـاً*التخطيط والتنظيم*
علو الهمةدون ترشيد وتوجيه قد يؤدى إلى إنقطاع العمل والملل ،
فلا بد من وضع خطةمحكمة تتناسب مع قدرات الإنسان
وشرف الزمان ، ومن هنا نستطيع أن نفهم قول
السيدة عائشة _رضى الله عنها_ عن حال رسول الله
"ويجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره"
فالتخطيط المسبق لكل ماتريد إنجازه خاصة في هذا الشهر يحقق
لك الربح في رمضان وغيره ، وهذا يستلزم
1_ وضع أهداف واضحة ومحددة لكل الأعمال التي تريد
أن تعملها في هذا الشهر وفي كل يوم
2_عمل جدول للأعمال وأوقاتها والقدر المطلوب إنجازه،
وهل تم في وقته أم لا ؟.
3_ تنظيم مواعيد النوم والإستيقاظ والراحة والعمل والفراغ .
رابـعاً* مراعاة فقه الوقت أو واجب الوقت*
إن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار فكل
وقت جديد له واجب جديد ولا يقبل الله نافلة حتى تؤدى
الفريضة فلا ينبغي للعبد أن ينشغل بالنوافل عن
الفرائض ولا بفريضة عن فريضة أخرى
كالذين يصومون ولا يصلون مثلاً !!
خامسـاً *إستثمار رمضان في الإصلاح*
: رمضان فرصة عظيمة لإصلاح النفس البشرية عن طريق إعادة
التوازن بين القيم والغرائز ، وتقوية قدرة الإنسان للسيطرة على
النفس ، وهو فرصة للخروج من قوقعة الذات والنظر إلى
المجتمع والأمة بشكل عام ؛ لأن سفينة المجتمع واحدة
والغرق لا يكون لفئة دون فئة ورمضان فرصة
لإصلاح الأسرة لكى تتجمع مرة أخرى حول
المنبع الصافي ( القرآن الكريم ) بعيـــداً
عن المشوشات الإعلامية والحملات
الهدامة كما أنه فرصة لإصلاح
الأسرة الكبيرة (المجتمع )
وذلك بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فالجو مهيئ ،
فقد سلسل الله لنا الشياطين .. فرمضان فرصة لإعتصام
الأمة فنحن نصوم في وقت واحد ونفطر في وقت
واحد ونؤدي شعائرواحدة
( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فإعبدون )
(الأنبياء :92)
وهو فرصة كذلك لتزكية النفس من الشح و البخل وتخلية القلب
للفكر والذكر فرمضان منطلق الإصلاح الشامل .
سادسـاً *المحــــــــــــــــــــاسبة*
لايأتي الإصلاح الشامل للفرد والمجتمع إلا في ظل المحاسبة ، والنظر
في عيوب النفس لتحديد العلة أو الخلل : أو سرعة غضب ، أو
تحكم وسيطرة شهوة ، أو ضعف إرادة ، أو تكاسل عن
الطاعة ؟! بعبارة وجيزة : أين الخلل ؟ وبعد معرفة
الخلل يستطيع الإنسان أن يصل إلى العلاج ؛
لأن معرفة الداء طريق للوصول إلى
الدواء ، من أجل ذلك جعل الله
المحاسبة فريضة
( يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد
وإتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )
(الحشر : 18)
فيجب على كل إنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يعرض على من
لا تخفى عليه خافيه . مسك الختام
أختم معك الحديث _ أيها الصـــــــائم إيماناً وإحتساباً _
بهذا الحديث الذى رواه الخارى عن ابي هريرة
_رضى الله عنه_ أن النبى صلى الله عليه
وسلم قال
للصائم فرحتان فرحة عند فطرة وفرحة عند لقاء ربه "
