شُكرًا.. يا رُسُل الجمال إلى الأرض
بقلم: زينب ع.م البحراني
مهما أكَلَت السّنين من عُمري،
سأبقى عاجزةً عن أن أكبُر أمام ذوي النّفوس الكبيرة،
الذين هُم نُخبة الحجيج الهامسة في ساحات الفنّ والأدب
رُغم كثرة ضجيج الموهومين والمُدّعين.
أولئك الذين يمتلكون من صحوة الضّمير،
ورقيّ الأخلاق، ورقّة الشّعور
ما يجعلني أشعر- ساعة الوقوف أمامهم- كم أنا صغيرة،
ضئيلة، بحاجةٍ إلى عصورٍ ودهورٍ من المعرفة،
والثّقافة الرّوحيّة، والتّجربة الإنسانيّة كي أسمو
إلى تلك المرحلة من أناقة الذّات التي يمتلكونها،
وتبقى تقلّبات الحياة عاجزةً عن استبدالها
مهما أسرفت في شراستها عليهم.
هذا النّوع من البشر هو الذي يهب الأمل للإنسانيّة،
والحياة للإبداع على اختلاف صُوره.
موقفٌ صغيرٌ أو حديثٌ قصيرٌ معهم بوسعه
أن ينقلك إلى عالمٍ نقيّ يحكمه الضّمير،
ويُديره الاحترام، وتؤثثه المحبّة..
إلى حيث تلك البُقعة التي يشعر فيها
ذوي الأحاسيس المُرهفة من مُبدعين ومثقّفين
حقيقيين بالانتماء والأمان، بعيدًا عن الحدود الشّائكة
لميادين التّطاحُن، والغطرسة، والأنانيّة، والنّفاق،
والكذب، والدّجل، والشّعوذة الثّقافيّة،
والسّعي لإيذاء الأبرياء في سبيل رفد مصالح شخصيّة.
الذين تُدرك معهم المذاق الحقيقيّ للأدب حين يُهذّب الرّوح،
والفنّ حين يرتقي بها، والثّقافة حين تقوّم سلوكها،
ويجعلك تتأكّد بأنّ العالم المثاليّ ليس وهمًا من أوهام التّاريخ
أو شطحةً من شطحات خيال الفلسفة،
وإنّما حقيقة واقعيّة أوجدها الله على الأرض وإن قلّ أفرادها.
فهم يؤمنون حقًا بالله، والحبّ، والمبادئ، والأخلاق،
ويتّخذونها منهجًا فعليّا لسلوكهم،
لا مُجرّد حروفٍ مصفوفة يابسةٍ تُبصق ذات اليمين وذات الشّمال
في آذان البُسطاء من باب الدّجل على أحاسيسهم و تخدير عقولهم.
إنّهم رُسُل الجمَال والوفاء إلى الكون،
نُسجت جيناتهم من طينة الصّبر لأجل مشيئةٍ إلهيّةٍ شاءت
أن يكونوا صورةً للتوازن الباقي على الأرض
ضدّ كُلّ ما يشوّه وجهها من فساد أشرار البشر،
وجهل عامّتهم، وخُبث المشعوذين من مُدّعي الثّقافة والمعرفة،
فيُتقنون الابتسامة، ولا يتأخّرون عن مُساعدة مُحتاج،
ولا يُفرّقون في حُسن مُعاملتهم بين وزيرٍ أو فقير،
ولا يبخلون بعلمهم على مخلوق. كثيرون يظنونهم
ساذجين لفرط طيبتهم وإصرارهم
على الغفران الدّائم للمسيئين إليهم،
غير مُلتفتين إلى أنّهم يتعمّدون التّغاضي
عن الإساءات إيمانًا بفناء هذه الحياة،
وثقةً بحتميّة قدوم يوم الحساب الأكبر.
من هؤلاء تعلّمت أنّ للوردة رائحة تُشمّ بالقلب،
وللقمر ضوء يُرى بالبصيرة،
ولقلوب الطّيور خفقاتٌ تُسمع بالذّهن،
وللرّوح أجنحةٌ لا يراها إلا الصّفوة.
ومنهم تعلّمت أنّ من السّهل جدًا أن يبدو المرء
في ملامح البشر؛ لكن من الصّعب أن يكون إنسانًا
ما لم يمتلك الشّجاعة لأن يكون هو نفسه التغيّر
الذي يختاره بثقةٍ في هذا العالم، .
ومن الصّعب أن يذكره التّاريخ
كأديب فنّان ما لم يكُن إنسانًا.
فألف ألف شُكرٍ لهؤلاء الذين يمسّون العالم
بعصا طيبتهم السّحريّة فيغدو أكثر دفئًا وحنانًا ونظافة.
