زرع الأبـــراج

موضوع: زرع الأبـــراج 11/1/2010, 1:43 pm

زرع الأبـــراج
أخيراً جلست بجوار أخي وهو يقود سيارته بعد خروجي من باب المطار
أخي : حمداً لله على سلامتك . ما هذا القرار المفاجئ ؟
مساء أمس تتصل لتخبرني أنك عائد بلا رجعة
أنا : الحمد لله .
كنت أفكر منذ عام لأخذ هذا القرار . لقد تغيرت الحياة هناك وتغيرت المعاملة من أهل تلك البلاد مع العرب والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر ، في هذا اليوم دبت الفرحة في قلوبنا ونحن نرى رمزاً من رموز هذا الكيان الشرير وهو يجني ثمار بعض ما غرست يداه وحاولنا إخفاء هذه الفرحة ولكن أهل تلك البلاد أمعنوا في إظهار الكراهية لنا وأصبح الشك والريبة وسن القوانين لتقييد حريتنا وهضم حقنا هو السائد وكأنهم كانوا على موعد مع هذا الحدث . فتملكني الحنين والشوق إلى بلادي . وأمرني أن أعود بلا رجعة .
تحدثت مع أخي في أمور شتى وبالي مشغول وقلبي يرفرف متعجلاً لرؤية مشارف قريتي فعلى جانبي الطريق الزراعي المؤدي لمنازل قريتنا توجد أماكن ومعالم وحقول خضراء كانت آخر ماودعته من قريتي
أشتاق لرؤيتها بعد طول فراق
ماهذا ؟ أصبحنا في زمام قريتنا والطريق لم يعد زراعياً .
فقد بنيت أبراج على جانبي الطريق .
لن أجد أبداً ما اشتقت كثيراً لرؤياه لقد مزقوا معالم قريتي ورموا أشلاءها في مقابر الماضي ، واحتلت مكانها هذه الأبراج ، لقد كانت هنا ساقية محفوفة بأشجار التوت يتسلقها الأطفال . وكان هنا مصلى على شاطئ هذه الترعة ، أرى فيها عمي فلان وعمي فلان . خاشعين في الصلاة
كان هنا ظل ممدود لأشجار الكافور تحته طلمبه : نملأ حوضها الكبير بالمياه لتشرب منه الأنعام هل تعوض الأبراج زوال كل هذه الحقول ؟ سرنا بالسيارة في شوارع القرية لنصل إلى منزلنا فوجدت نفس الأبراج على جانبي الشوارع وكأن ( بلكوناتها ) ألسنة أخرجتها لتزيد عيظتي منها .
ولم أجد لضوء الشمس مكاناً في شارعنا ولم تجد رئتي هواء قريتي المعروف
لقد غيرت قريتي لباسها الجميل الأصيل بهذه الأبراج القبيحة الدخيلة على حاراتها وشوارعها
نظرت في ساعتي فهذا ميعاد الظهر ولم أسمع آذانه لقد منعه هذا التزاحم الشديد لهذه الأبراج ، دخلت منزلي وهو كما هو ، منزلي ريفي ، وبعد أن سلمت على أولاد أخي . دخلت غرفتي لأفتح النافذة المطلة على الشارع لأرى منها مئذنة المسجد ولكن حال بيني وبينها برج عال .
امتلأ قلبي حقداً على هذه الأبراج التي حجبت دفء الشمس ونورها عن البيوت والشوارع ومنعت الآذان من سماع النداء إلى الصلاة ، وحجبت عن العيون مآذن المساجد . أردت لها الدمار والزوال من على وجه الأرض كما حدث لبرجي التجارة العالمية ، وتمنيت لكل واحد منها طائرة تدخل فيه لتدمره وتنسفه ولكن من أين كل هذه الطائرات لكل هذه الأبراج . هذا مستحيل ، هذا ليس بحل . ودخل عليّ أخي غرفتي .
أخي : أنا لا يعجبني حالك . لم تغير ملابسك والطعام سيبرد !!
آه .. عرفت .. تفكر في مشروع ..
أنا عندي هذا المشروع : يوجد على مشارف القرية قطعة أرض زراعية سنشتريها ونبني عليها برجاً سيكون به عشرون شقة لو بعنا منهم ثلاث شقق فقط سنغطي تكلفة المشروع .
أنا : لا .. لا .. لن أشارك في هذه الجريمة . لن أقتلع الأشجار لأزرع بدلاً منها حجارة . لا حياة فيها ، أنا سأترك تلك القرية فقد ضاقت فيها الحياة من تزاحم تلك الأبراج سأذهب إلى الصحراء لأصنع قرية جديدة خضراء ، ولعلى أعوض شيئاً مما حسرناه من زراعة تلك الأبراج .