معالم نظرة قرآنية للتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم


كنت فى رحلة السفر من الكويت الى مصر بالسيارة فى منتصف السبعينيات وبعد أن وصلت الى لبنان استعدادا لركوب الباخرة

من ميناء بيروت الى الاسكندرية كان ذلك فى يوم جمعة فتجهزنا لصلاة الجمعة فى أحد مساجد بيروت

ومن حسن الحظ أن القارئ المصرى الشيخ محمود على البنا كان مدعوا للقراءة

فى هذه الجمعة وكانت مناسبة دينية وعلى الهواء مباشرة وكانت بيروت

فى بدايات الحرب الأهلية اللبنانية وكانت التلاوة من بداية سورة

الاسراء وقد أبدع الشيخ البنا بصوته السماوى الرخيم

والذى شد جموع المصلين فى المسجد

حتى اذا أتى الى الآية ::

واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا )) ... (16الاسراء ))

فاذا بنا نسمع دوى طلقات المدافع والرصاص خارج المسجد بكثافة

والشيخ البنا رحمه الله يعيدها أكثر من مرة كأبدع ما تكون القراءة ولم يأبه بأصوات الرصاص والناس تستحسن وتقول الله أكبر

ثم ختم بالآية التى تليها وهى الآية (17 من سورة الاسراء )

وهى قوله تعالى :

(( وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ))

وختم الشيخ محمود البنا القراءة .... وأذن المؤذن للصلاة

وبدأت خطبة الجمعة

ليستهلها الخطيب بقوله للحاضرين من المصلين :

" لقد وجبت الهجرة من هذا البلد مستدلا على ما أصاب لبنان وبيروت من الفسق والفجور والعرى "

ومستدلا بذلك على الآيتين ( 16 , 17 من سورة الاسراء )

وكان محور الخطبة عن المترفين

لقد كان استقراء الخطيب صائبا وسليما مع حركة التاريخ وحتى يومنا هذا .....

ومرت هذه الأزمة والحمد لله

ولا أريد أن أطيل فى هذا الجانب والحمد لله فقد مر بسلام .... ولكن ....

هذا الموقف نبه الى ضرورة لا مفر منها لاجراء دراسة شاملة ودقيقة للتاريخ بغية كشف الطرق التى تسير فيها حركة التاريخ وفق

السنن الاجتماعية الموضحة فى القرآن الكريم والتى تشمل معظم الحضارات البائدة من عاد وثمود وسبأ والحضارة

الفرعونية مدعمة بالدراسات الأثرية

وهذه بعض الأمثلة لسنن وقوانين تاريخية من القرآن الكريم :

(1)

من سور ة الاسراء الآيات 16 , 17

(( واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا * وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى

بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ))


(2)

من سورة الأنبياء 105

(( ولقد كتبنا ى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون ))


( 3 )

من سورة الحج 40

(( ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز ))


( 4 )

من سورة هود 118

(( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة , ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ))


(5)



من سورة الأعراف من 94 الى 96

(( وما أرسلنا من قرية من نبى الا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون * ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا

وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون * ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم

بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ))


من هذه اللمحات المتفرقة يتضح جليا أن القرآن الكريم يقدم لنا نظرة للتاريخ مغايرة لمعظم فلسفات التاريخ

المعاصرة والسابقه , مما يكفى لدفع علماء الاسلام الى ارتياد آفاق هذه النظرة باحثين ومنقبين

عن سنن الكون حتى تتضح أمامهم معالم الطريق الذى يسلكونه لتفادى المنعطفات فيكون

السير على هدى من الكتاب المنير

................................................

وبعد ....

لقد قصدت فى هذه العجالة أن ألفت النظر الى حقيقتين ::

الأولى : غياب نظرة اسلامية شاملة لحركة التاريخ فى وقت تزدحم فيه الساحة بنظريات مادية قاصرة لتفسير التاريخ

لا تهدى الى الحق مما جعل معالم التاريخ غير واضحة أمام أعين المؤمنين فى صراعهم مع القوى المعادية

الثانى : وجود الأساس الكافى من القرآن لبناء نظرية قرآنية غير مادية عن حركة التاريخ , تصلح

هاديا ودليلا للركب المؤمن .

بسم الله الرحمن الرحيم

(( لا تحرك به لسانك لتعجل به * ان علينا جمعه وقرآنه * فاذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم انا علينا بيانه ))

صدق الله العظيم

( سورة القيامة 16 ,17 , 18 , 19 )